الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوًّا}: فعادوه ولا تطيعوه {إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ}: أشياعه وأولياءه {لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير} ليسوقهم إلى النار، فهذه عداوته ثم بيّن حال موافقيه ومخالفيه فقال عزّ من قائل: {الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.قوله: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ} أي شُبّة وموّه وحُسّنَ له {سواء}: قبح عمله وفعله {فَرَآهُ حَسَنًا} زين ذلك الشيطان بالوسواس ونفسه تميله إلى الشبهة وترك النظر في الحجة المؤدية إلى الحق، والله سبحانه وتعالى يخلقه ذلك في قلبه، وجوابه محذوف مجازه: أفمن زين له سُوء عمله كمن لم يزين له سوء عمله ورأى الحق حقًا والباطل باطلًا؟ نظيره قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33]، وقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} [الزمر: 9] ونحوها.وقيل: معناه: أفمن زين له سوء عمله فأضلّه الله كمن هداه؟ دليله قوله: {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ}.وقيل: معناه تحت قوله: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، فيكون معناه: أفمن زُيّن له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة، أي تتحسف عليه؟ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير، مجازه: أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسنًا فلا تُذهب نفسك عليهم حسرات فإنّ الله يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، والحسرة: شدة الحزن على ما فات من الأمر.وقراءة العامة: {تذهَبَ نفسُك}: بفتح الباء والهاء وضم السين، وقرأ أبو جعفر بضم التاء وكسر الهاء وفتح السين، ومعنى الآية: لا تغتم بكفرهم وهلاكهم إذ لم يؤمنوا، نظيره {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} [الكهف: 6] [الشعراء: 3].{إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.{والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النشور} من القبور.أخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن خالد عن داوُد بن سليمان عن عبد بن حميد عن المؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال: قلت يا رسول الله: كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «هل مررت بواد أهلك محلًا ثم مررت به يهتز خضرا؟» قلت: نعم. قال: «فكذلك يحيي الله الموتى، وتلك آيته في خلقه».قوله عز وجل {مَن كَانَ يُرِيدُ العزة}، يعني علِم العزة لمن هي، {فَلِلَّهِ العزة جَمِيعًا}، وذلك أنّ الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المؤمنين أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فَإِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]، وقال سبحانه: {واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81]، كلاّ، وردّ الله عليهم: من آراد أن يعلم لمن العزّة الحقيقية فآية العزّة لله، ومن أراد أن يكون في الدارين عزيزًا فليطع الله فإنّ العزّة لله جميعًا.{إِلَيْهِ} أي إلى الله، ومعناه: إلى محل القبول وإلى حيث لا يملك فيه الحكم إلاّ الله عز وجل، وهو كما يُقال: ارتفع أمرهم إلى القاضي.{يَصْعَدُ الكلم الطيب} يعني: لا إله إلاّ الله وكل ذكر مرضي لله تعالى، وقرأ أبو عبد الرَّحْمن: {الكلام الطيب}، وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله الدينوري قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد بن أحمد الهمداني قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد المسكين البصري عن أحمد بن محمد المكي عن علي بن عاصم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} قال: «هو قول الرجل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، إذا قالها العبد عرج بها ملك إلى السماء فحيا بها وجه الرَّحْمن عزّ وجل، فإذا لم يكن عمل صالح لم يقبل منه».واختلف العلماء في حكم هذه الكناية ومعنى الآية، فقال أكثر المفسرين: الهاء في قوله: {يَرْفَعُهُ} راجعة إلى {الكلم الطيب}، يعني أنّ العمل الصالح يرفع الكلم فلا يقبل القول إلاّ بالعمل، وهذا اختيار نحاة البصرة، وقال الحسن وقتادة: {الكلم الطيب}: ذكر الله {والعمل الصالح} أداء فرائضه. فمن ذكر الله ولم يؤدِّ فرائضه زاد كلامه على عمله، وليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال.فمن قال حسنًا وعمل غير صالح ردّ الله عليه قوله، ومن قال حسنًا وعمل صالحًا رفعه العمل ذلك؛ فإن الله يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ}.ودليل هذا التأويل قوله عليه السلام: «لا يقبل الله قولًا إلاّ بعمل، ولا يقبل قولًا وعملًا إلاّ بنية ولا يقبل قولًا ونية إلاّ باصابة السنة».وجاء في الخبر: «الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب».وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
قال ابن المقفع: قول بلا عمل كثريد بلا دسم، وسحاب بلا مطر، وقوس بلا وتر، وفيه قيل: وأنشدني أبو القاسم الحبيشي لنفسه: وقال بعض أهل المعاني على هذا القول: معنى {يَرْفَعُهُ}، أي يجعله رفيعًا ذا وزن وقيمة، كما يُقال: طود رفيع ومرتفع، وقيل: العمل الصالح هو الخالص، يعني أنّ الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأعمال، دليله قوله: {فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] أي خالصًا ثم قال: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًَا} [الكهف: 110]، فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء، وقال قوم: هذه الكناية راجعة إلى العمل، يعني أنّ الكلم الطيب يرفع العمل؛ فلا يرفع ولا يقبل عمل إلاّ أن يكون صادرًا عن التوحيد وعائد الذكر يرفع وينصب، وهذا التأويل اختيار نُحاة الكوفة وقال آخرون: الهاء كناية عن العمل، والرفع من صفة الله سبحانه، أي يرفعه الله.{والذين يَمْكُرُونَ السيئات} أي يعملون، قال مقاتل: يعني الشرك، وقال أبو العالية: يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، وقال الكلبي: {الذين يَمْكُرُونَ} يعني يعملون السيئات في الدُّنيا، وقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب: هم أصحاب الرياء.{لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي يكسد ويفسد ويضل ويضمحل في الآخرة.{والله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ} قراءة العامة: {يُنقص} بضم الياء، وقرأ الحسن وابن سيرين وعيسى {ينقُص} بفتح الياء وضم القاف، وقرأ الأعرج: {مِنْ عُمُرِهِ} بالتخفيف.قال سعيد بن جبير: مكتوب في أول الكتاب عمره كذا وكذا سنة، ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره.{وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ}: طيب {سَآئِغٌ}: جائز هني شرابه.وقرأ عيسى: {سيّغ} مثل: ميّت وسيّد.{وهذا مِلْحٌ أُجَاج} شديد الملوحة، عن: ابن عباس، وقال الضحاك: هو المرّ مزاجه كأنه يحرق من شدة المرارة والملوحة.{وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا}: طعامًا شهيًا، يعني: السمك من العذب والملح، {وَتَسْتَخْرِجُونَ} منه: من الملح دون العذب {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} يعني اللؤلؤ، وقيل: فيه عيون عذبة، ومما بينهما يخرج اللؤلؤ.{وَتَرَى الفلك فِيهِ مَوَاخِرَ}: جواري، وقال مقاتل: هو أنْ يرى سفينتين إحداهما مقبلة والأُخرى مدبرة، وهذه تستقبل تلك وتلك تستدبر هذه، يجريان بريح واحدة، {لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على نعمه.أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا ابن شاذان قال: حدثنا جيفويه بن محمد قال: حدثنا صالح بن محد عن القاسم بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلم الله البحرين فقيل للبحر الذي بالشام: يا بحر إني قد خلقتك وأكثرت فيك من الماء، وإني حامل فيك عبادًا يسبحونني ويحمدونني ويهللونني ويكبرونني فما أنت صانع بهم؟ قال: أُغرقهم. قال الله عز وجل: فإني أحملهم على ظهرك وأجعل بأسك في نواحيك وحاملهم على يدي.وقال للبحر الذي باليمن: إني قد خلقتك وأكثرت فيك من الماء وإني حامل فيك عبادًا لي يسبحونني ويحمدونني ويهللوني ويكبرونني فما أنت صانع بهم؟ قال: أُسبحك وأحمدك وأُهللك وأُكبرك معهم، وأحملهم على ظهري بطني. قال الله سبحانه: فإني أُفضلك على البحر الآخر بالحلية والطري».قوله: {يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} وهي القشرة الرقيقة البيضاء التي بين التمرة والنواة، عن أكثر المفسرين. وقال ابن عباس: هو شق النواة، وقال السدي: هو ما ينقطع به القمع.{إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}: يتبرءون منكم ومن عبادتكم إياها، {وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} يعني نفسه تعالى. اهـ.
|